أتمّ اليوم ثلاثون عاماً على هذه الأرض. رغم أنها كلها أيام الله، ولا يعني الانتقال من يوم إلى يوم آخر أي شيء إلا أننا اعتدنا على تقديس البدايات في كل شيء، بداية عام جديد، بداية شهر جديد، بداية عقد جديد وهكذا.
ولا أخفيكم سراً، مدهش فكرة أن تُطوى مرحلة كاملة من عمرك (العشرينات) وتستعد لبدء مرحلة جديدة الجميع يتحدث عن أنها مرحلة انتقالية فاصلة. عند النظر إلى مرحلة العشرينات بالنسبة لي أجدها غير مثيرة ولا أجد فيها تجارب أقول عنها أصقلتني. خاصة القسم الأول منها الذي ضاع معظمه في معاناتي مع تخصص جامعي لم أستسيغه (وهنا أشير إلى أنني كان بإمكاني محاولة التأقلم مع الأمر الواقع والعمل على حل تلك المشكلة وتحمّل المسوؤلية حتى لو لم أكن أنا من أحدثها) لكن تلك العقلية الحالية لم تكن موجودة آنذاك، بل كانت عقلية جامدة أقرب إلى الاستمتاع بلعب دور الضحية.
نعم هكذا أعتقد، لا أتنصّل من مسوؤليتي وألقي اللوم – فقط- على الظروف والعوامل الأخرى، ولا أخجل إطلاقاً من قول ذلك والاعتراف به. بل أسعد بأنني وبتوفيق من الله تخلّصت من هذه العقلية ويرجع ذلك للقسم الثاني من العشرينات حينما بدأت ملامح شخصيتي تظهر بالتحديد بعد تجربة المرض التي عايشتها في منتصف العشرينات.
ثم ما تلا ذلك من جائحة كورونا والتي على عكس كثير من الناس نجحتُ في استغلالها جيداً وكانت بوابة حصولي على فرص عمل متنوعة.
الآن.. لو أقيّم فترة العشرينات بناءاً على الخبرات والتجارب والنجاحات والإنجازات وما إلى ذلك سأختار 6/10 وأراها كثيرة حتى. لكن ماذا أقول؟ الحمد لله أنها انقضت بحلوها ومرها، أفراحها وأحزانها، بكل ما فيها مرّت وشكّلت جزءاً من شخصيتي وهويتي يجب عليّ استكماله في مرحلة الثلاثينات.
جلست أتأمل في تخيّل حياتي كيف ستكون في الثلاثينات أو كيف أريد لها أن تكون. وجدتني أعود إلى الأساسيات، متطلبات الحياه العادية. الصحة الجسدية والنفسية والعقلية، الأسرة، العمل، العلاقات، الحرية المالية. لكن هذه الأساسيات في دولة مثل مصر تحتاج إلى مكافحة واجتهاد يفوق قدراتك وإمكانياتك. هذه حقيقة لا يمكن إنكارها. وهذا واقع يجب الاعتياد عليه وإلا الخاسر الوحيد هو نفسي ونفسك عزيزي إذا كنت مبتلى مثلي بوجودك في هذه البقعة من أرض الله الواسعة! قدرنا. 🤷♂️
أول ما أريد التركيز عليه في فترة الثلاثينات هو الصحة، بدونها يا صديقي أنت مجرد جثة تشكّل عبئاً على نفسك وعلى من تعول وعلى من حولك. أقسّم الصحة حسب وجهة نظري إلى ثلاثة فروع أساسية: الصحة النفسية، الصحة الجسدية، الصحة العقلية.
يندرج تحت الصحة الجسدية: الرياضة، التغذية السليمة، النوم، الفحوصات الطبية الدورية. كلها يجب الاهتمام بها بنفس القدر لأن كلها لها تأثير على النتيجة النهائية.
أما عن الصحة النفسية فهي كل ما يعينني على تخطّي العقبات والأزمات والثبات النفسي والصلابة النفسية التي تمكنني من تجاوز المواقف الصعبة. حتى أنها تشمل قدرتك على التعامل بواقعية مع ما يحدث حولك من أحداث عالمية وقضايا أمّتك مثل ما يحدث لإخواننا في غزة ونتيجة تأثير ذلك على صحتك النفسية وأيامك وحياتك.
أخيراً الصحة العقلية هي كل ما يغذّي عقلك بالمعرفة والنمو والتطوّر. كالقراءة، والثقافة، والهوايات التي تنشّط عقلك وذهنك لتكون قادراً على إنجاز المهام اليومية المتعلقة بالعمل أو الحياه الشخصية.
مجال كبير مجال الصحة هذا وما أسهل الكلام عمّا أريد تحقيقه فيه، لكن الواقع دائماً يقول كلمته ويجبرك على أن تتحلّى بالمرونة وتكييف أهدافك وأمنياتك وفقاً للواقع ومتغيراته.
ثاني ما أريد التركيز عليه بشدة هو خوض تجارب متنوعة. يا أصدقاء اكتشفت أنني لا أريد حياه رتيبة (لا أقول روتينية لأن الروتين نعمة). إنما أقصد حياه خالية من الأحداث والتجارب. حياه لا تعلّمك شيئاً، لا تصقل روحك ولا تكوّن شخصيتك. أريد حياةً مليئة بالتجربة والاستكشاف والتعلّم والأخطاء. في النهاية هي ليست المستقر وليست ورقة الامتحان النهائية، فلمَ الخوف والحرص على الأداء جيداً فيها؟ لا بأس ببعض الحماقات “المشروعة”.
ثالث ما يشغلني في فترة الثلاثين هو الاستقرار والحرية المالية. تأمين مصادر دخل متنوعة تكفل لي ولأسرتي المستقبلية حياه هانئة لا تكدّرها قلّة المال والفقر. لا أتفق مع مقولة “الفلوس مش كل حاجة” وأرى أنها حجّة للتكاسل والتقاعس عن محاولة تحسين أوضاعك المالية والاقتصادية.
الفلوس تكفل لك حياه كريمة، أنت لا ترغب أن تمرض أو يمرض ولدك ولا تجد مالاً لتغطية تكاليف أدويته ومستلزماته! والحديث عن أن المال مفسدة فأيّ شيء في هذه الدنيا ليس بمفسدة؟ كل ما يمكنك امتلاكه من مال، وصحة، وولد، ووظيفة ففيه احتمال المفسدة كما فيه احتمال المنفعة. أنت وحدك مَن تحدد ذلك. هي بمثابة أدوات في يدك، فانظر كيف تستعملها.
أفكّر في تطوير مهاراتي في المسار المهني الحالي وهو: الكتابة والتسويق، بالتحديد التسويق بالمحتوى ودراسة كتابة الإعلانات (Copywriting). بجانب ذلك أفكّر في تجربة مسارات جديدة على سبيل المثال: كتابة تجربة المستخدم (UX Writing). أظن أن هذا المجال هو ما يناسبني تماماً. لأني أحياناً أشعر بالقلق من مجال عملي الحالي، أتخوّف من المستقبل، من فقداني القدرة على الإبداع ومتطلّباته، فعملي بدرجة ما يعتمد على الحالة الذهنية والمزاجية والتي هي متقلّبة متغيّرة بين حين وآخر. بينما أرى مجال كتابة تجربة المستخدم هو وسط بين هذا وذاك. لننتظر ونرى!
اختصاراً: لا أريد في الثلاثين من عمري حياةً رتيبة لا تجارب فيها، أريد أن أصنع فيها أشياءاً أحكي عنها بفخر لأولادي عندما أصل الأربعين وما بعدها. يدّينا ويدّيكم طولة العمر. والسلام.
اكتشاف المزيد من مدونة هشام فرج
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
بارك الله في عمرك ورزقك، أذكر من سألني عن الوصول إلى الثلاثين وأذكر أنني لم أجد فرقاً بينها وبين تسع وعشرين، الانتباه وحده يخبرنا بأننا وصلنا لمرحلة ما سواء إيجابية أو سلبية، وتقدم العمر لا أعتبره سلبية بل واقع يجربه الجميع.
هل تكتب القوائم؟ لا أعني قائمة أعمال بل قوائم فقط، إن كنت لا تريد حياة رتيبة فاكتب قائمة بكل ما يمكن أن تحقق هذه الرغبة 🙂
شكراً لك على الدعوات الطيبة أ. عبدالله 🙏
لو توضح لي المقصود بالقوائم. تقصد شيء مثل قائمة الأمنيات (Bucket list)؟
نعم شيء مثل ذلك، القائمة يفترض أن تكون وسيلة لحفظ أفكار لأشياء تتمنى فعلها، الهدف ليس تنفيذ كل شيء بل وسيلة للتذكير بما يمكن فعله.
نعم لدي قائمة من هذا النوع، لكن آخر مرة طلّيت عليها كانت من سنة. 😅 فكّرتني أروح أبص عليها.