
حياتي تنقسم إلى فصلين، ما قبل 13 ديسمبر 2018 وما بعدها.
في سطور قليلة أشارك معكم تجربة شخصية غيّرت حياتي للأفضل بالتأكيد، نحن الآن على مشارف شهر سبتمبر الشهر الذي يكرهني ولا أعلم السبب!
صداع، درجة حرارة مرتفعة، خمول في الجسد، وهن، سُعال لم أشهده في حياتي من قبل. ظللت على هذا الحال حتى انتصف الشهر، أدركت أن الأمر ليس مجرد دور برد خفيف، هناك شيء ما في انتظاري. ودائماً إحساسي يجانب الصواب في مثل هذه الأمور.
ذهبت لأول دكتور وخرجت من عيادته مُحمّلاً بروشتة مليئة بجميع أنواع المسكنات والمضادات، السبب يا دكتور؟ دور برد وهيعدي.
مرّ أسبوع لم يحدث شيء، ذهبت للثاني ثم الثالث والرابع والخامس، في أقل من شهر ولا أحد يعلم السبب! لدرجة أعتقدت أنني أخطأت وذهبتُ لأشخاص ليسوا أطباء! ماذا بي؟ ومَن مِن المُفترض به أن يخبرني إذن؟!
التعب ما زال مستمراً، دلّني أحد أقاربي على طبيب شاب يعتقد أنه جيّد. حسناً سأذهب وللمرة السادسة والأخيرة، بمجرد أن فحصني الطبيب طلب مني فوراً عمل أشعة على الصدر. خرجت من عنده وأنا مُتيقّن أنه رأى شيء ما غير عادي وليس مجرد دور برد، وبالفعل عدتُ إليه بالأشعة فقال في أسف: رئتيك شِبه مُدمرة! التهابات عنيفة. لا بد من عمل تحاليل بداية من الغد ولمدة ثلاثة أيام لنرى النتيجة.
على مدار ثلاثة أيام كنت أذهب للمستشفى لعمل التحاليل اللازمة، إلى أن جاء يوم النتيجة وأنا في مكتب مدير المستشفى والذي بالمناسبة هو نفسه الطبيب الذي فحصني، أخبرني قائلاً: كما توقعتُ منذ البداية، أنت إيجابي دَرَن (السُل). لم تكن لدي معرفة كافية بهذا المرض سوى أنه في العصور السالفة كان مرضاً خطيراً ينتهي بالوفاة، شيء أشبه بالسرطان حالياً عافانا الله وإياكم.
إذن، إحساسي كان في محله وكلُ منّا أدرى بنفسه، أخبرني الطبيب بأنني بداية من الغد سيتم حجزي في غرفة خاصة في المستشفى ولمدة شهرين كاملين! هنا كانت الصدمة.
نحن الآن يوم الثلاثاء 11 ديسمبر 2018، العاشرة صباحاً أتناقش مع الطبيب بشأن هذا القرار واستحالة حدوثه، فبعد أسبوعين فقط لديّ امتحانات نصف العام! فكيف؟ كلام الدكتور كان صارماً، لا بديل عن الحجز وقضاء المدة كاملة لتلقي العلاج وإلا فاكتب إقراراً على نفسك بأنك رفضت. كنتُ في حالة من الذهول والغضب والتذمّر (لن أجمّل نفسي، للأسف لم أستطع التحلّي بالرضا بقضاء الله وأدركتُ أن الكلام شيء والفعل شيء آخر وقت المصائب والشدائد).
أخبرتُ الطبيب أنني موافق على إمضاء الإقرار وأرفض الحجز من شدة غضبي، فنصحني بأن أنتظر حتى أستشير عائلتي في الأمر. وافقت واختصاراً للحديث بعد مجادلات ونقاشات محتدمة في هذا اليوم مع عائلتي، أجبروني على الموافقة وأن صحتي أهم من أي شيء. حسناً.. أخبرتُ الطبيب بموافقتي يوم الأربعاء، فطلب مني الحضور للمستشفى يوم الخميس، هكذا وبشكل عاجل دون استراحة.
الخميس 13 ديسمبر 2018
التاسعة صباحاً، والدي يقوم بإنهاء بعض الإجراءات بينما أنا أسير خلف الممرضة إلى غرفتي التي سأمكثُ فيها وحدي لمدة شهرين. لن أستطيع أن أصف لكم كيف مرّ عليّ اليوم الأول، جحيم! ذهول، توتر، قلق، صداع مُميت، لا أستطيع النوم، أفكّر في التحول المفاجيء في غمضة عين.

أول أسبوع كدتُ أن أجنّ وجادلتُ أهلي برغبتي في إنهاء الأمر ولن أستطيع مواصلة الحجز.. يكفي هذا، لم أستطع إقناعهم. أصبحت الأيام نسخة متشابهة ومتطابقة بشكل كبير، الجرعة العلاجية في الصباح، زيارة الأهل بعد العصر، وباقي اليوم وحدي أتأمل جدران الغرفة في صمت مُطبق!
هنا كان التحوّل الإيجابي، هذه الوحدة وهذا الصمت والهدوء هو كلمة السر، انهالت عليّ الأفكار والمشاعر والمواقف، أصبح عقلي كتلة من الأفكار. ماكينة أخذت في الاستعداد للعمل الشاق. وبدأتُ في طرح الأسئلة الجادة والعميقة.
- كيف سأقضي باقي المدة؟
- وماذا بخصوص امتحاناتي؟
- وكيف سيكون شكل حياتي بعد خروجي من هنا؟
- وما الفائدة أصلاً من وجودي في هذا العالم؟
- لو كتب الله لي الموت الآن، من سيحزن؟
- وماذا سيخسر العالم أصلاً؟
- هل قدمتُ شيئاً ذا قيمة يكون بمثابة ذكرى لي بعد موتي؟…
إلى آخر هذه الأسئلة التي لم تكن لتظهر لولا مروري بهذه التجربة وخلّوي بنفسي.
صباح كل يوم بعد هذه الجلسة الفارقة مع نفسي، أخذتُ أخطط لما بعد خروجي، لتغيير حياتي بالكامل وطريقة تفكيري، التحلّي بالإيجابية وتقدير الذات والتخلص من الكسل والتسويف، وتحديد أهدافي في الحياة. باختصار أردتُ الخروج من هذه التجربة إنسان جديد.
وبالفعل حتى لا أطيل عليكم، بعد خروجي بيوم واحد فقط، أحضرتُ كشاكيل وأقلام وأغلقتُ على نفسي وبدأتُ في العصف الذهني لتشكيل حياتي من جديد.
وها أنا الآن، بعد مرور ما يقارب السنتين على هذه التجربة والتي أنا ممتن لله على حدوثها (رغم أني استقبلتها بكل تذمّر وسخط) لولاها لصارت حياتي كما كانت تسير في إتجاه لا أدري عنه شيئاً، هذه التجربة كانت بمثابة جرس إنذار وفرصة للإفاقة من الغفلة.
بالنسبة لي، حياتي وطريقة تفكيري الآن بعد سنتين أفضل بمراحل عمّا كان قبل التجربة، وهذا شيء تمكنتُ من ملاحظته بكل سهولة وحتى المحيطين بي رأوا التغيّر بأعينهم.
عن هذه التجربة ما زال لديّ الكثير لأحكيه ولكن يكفي هذا، الشاهد والدرس من هذه التجربة يتلخص في الآية التي نمرّ عليها كثيراً دون فهمها بشكل حقيقي وصادق:
﴿وَعَسى أَن تَكرَهوا شَيئًا وَهُوَ خَيرٌ لَكُم وَعَسى أَن تُحِبّوا شَيئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُم وَاللَّهُ يَعلَمُ وَأَنتُم لا تَعلَمونَ﴾
[البقرة: ٢١٦]
والمقولة:
من وسط المِحِنَة تظهر المِنحَة.
اكتشاف المزيد من مدونة هشام فرج
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
فعلا يا صديقى الأوقات الصعبة تُغير طريقة التفكير والسلوك
أتمنى لك دوام الصحة والعافية والنجاح آمين
صدقت يا عمر، الأوقات الصعبة على قدر الألم منها هي ضرورية لإفاقة الغافل وتنبيهه. أشكرك شكراً جزيلاً. 🌸