ماذا ستفعل إن علمتَ أن النبي يدعو عليك ويؤمّن على الدعاء؟!

ماذا ستفعل إن علمتَ أن النبي صلى الله عليه وسلم يدعو عليك ويؤمّن على الدعاء؟! في كل مرة أسمع فيها ذاك الحديث الشهير:

(صعِد النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم المنبرَ، فقال: آمين، آمين، آمين، فلمَّا نزل سُئل عن ذلك، فقال: أتاني جبريلُ، فقال: رغِم أنفُ امرئٍ أدرك رمضانَ فلم يُغفرْ له، قُلْ: آمين، فقلت: آمين، ورغِم أنفُ امرئٍ ذُكِرتَ عنده فلم يُصلِّ عليك، قُلْ: آمين، فقلتُ: آمين، ورغِم أنفُ رجلٍ أدرك والدَيْه أو أحدَهما فلم يُغفرْ له، قُلْ: آمين، فقلتُ: آمين).

أستغرب. ألهذه الدرجة؟

بمرور الوقت اكتشفت فعلاً أن من أدرك رمضان ولم يغفر له فهو بلا شك يستحق أن يُصاب بالخيبة والخسران وأن يؤمّن النبي على الدعاء عليه. لماذا؟.. دعنا نوضّح الأمر بمثال:

لنفرض أن شخص يدخل دائماً في مشاريع متنوعة وتنتهي جميعها بفشله ويعلّل ذلك بأن الظروف تقف حائلاً أمام نجاحه وأنه ضحيّة مؤثرات خارجية هي ما أدّت إلى فشله. ثم جاء شخص آخر بمثابة مُرشد أو مُحب سمع قصته وصدّقه فعزم على مساعدته بأن هيّأ له كافة الظروف والإمكانيات والأدوات وخلق له بيئة مناسبة ومثالية ومنع أيّة مؤثرات خارجية من التدّخل وإفساد الأمر، باختصار وضعه أمام الأمر الواقع وأخبره أن قد زالت أسباب الفشل التي كنتَ تزعمها فانظر في أمرك وأرِنا كفاءتك وما الذي يمكنك أن تفعله.

ثم بعد كل ذلك كانت النتيجة هي الفشل كالعادة ولم يحقق النجاح كما كان يزعم. هنا هو شاهد على نفسه وشاهد على فشله الذريع المؤّكد الذي إن كان في السابق يستطيع إخفاؤه تحت مظلّة الظروف إلا أنه الآن أثبت وربما بدون قصد أنه فاشل وفعلاً لم تكن المشكلة في الظروف بل كانت فيه هو.

نفس المثل ينطبق على هذا الذي فشل في الخروج فائزاً من رمضان، لماذا؟ طوال العام ما السبب الذي كان يحول بينك وبين الطاعة والعبادة؟ قولاً واحداً الشيطان هو رأس كل المعاصي التي يجرّك إليها، جميل إذاً.. من المنطقي لو زال هذا السبب فإن النتائج المترتبة عليه ستزول وسيتغير الحال إلى حال أخرى مختلفة بناءاً على تغيّر قواعد اللعبة. حسناً.. أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنّه:

(إِذَا كَانَ أَوَّلُ لَيْلَةٍ من شَهْرِ رَمَضَانَ صُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ وَمَرَدَةُ الْجِنِّ ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ فلم يُفْتَحْ منها بَابٌ ، وَفُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ فلم يُغْلَقْ منها بَابٌ …)

الآن لم يعد لديك سبب يحول بينك وبين الطاعة والعبادة فتخيّل لو بعد كل ذلك بقي الحال كما هو عليه وفشلت في العبادة واستمريّت على المعصية. وتأكّدت بما لا يدع مجالاً للشك أن الشيطان بريء من اتهاماتك، المشكلة كانت فيك أنت.. كيف ستقيّم نفسك وتصفها؟! أليس ذلك هو الخسران المُبين؟. 

يذكّرني هذا بقصة لا أعرف تفاصيلها بالضبط ولا أين سمعتها أو قرأتها لكن مفادها أن فتاة ذهبت للحج وبينما هي تطوف حول الكعبة إذ تعرّضت للتحرش فالتفتت إلى الشاب مستغربة وقالت فيما معناه: إن لم ترتدع في هذا المكان وتخشى الله فأين إذاً؟

الشاهد من كل هذه المقدمة الطويلة.. لا شك أن البعض منا قد قصّر في الأيام السابقة، لكن ما زالت هناك فرصة أخيرة، ما زالت أسباب المشكلة معدومة، الظروف مُهيأة لك تماماً والطريق مستوِ.. فأرِ الله من نفسك خيراً واثبت أنك كنتَ صادقاً في دعواك بأن زوال السبب والمؤثرات الخارجية هو مطلبك لكي تبتعد عن المعاصي وتقترب من الله.

الفرصة؟ العشر الأواخر من رمضان.

كيف تغتنمها وتثبت صدق نيّتك؟ هناك الكثير من العبادات والطاعات لكي تثبت بها ذلك لكنّي هنا سأذكر منها أهم ما يمكنك فعله وبالمناسبة هي أشياء بسيطة وروتينية لكن الفارق أنني أدعوك لتأديتها في هذه الأيام بطريقة مختلفة قليلاً.

1- الصلاة في أوقاتها

نعم قد تكون تصلّي بالفعل لكنك تنام طول النهار ثم تستيقظ قبل المغرب بقليل تؤدي ما فاتك وتتعايش مع هذا جداً ولا تجد أيّة مشكلة في ذلك ونسيت.. أن الله عز وجل يقول:

{‏فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ، الَّذِينَ هُمْ عَن صَلاتِهِمْ سَاهُونَ}‏

وأن تأخير الصلاة عن موعدها لغير عذر أمر جلل. لذا احرص على الالتزام بتأدية الفرائض في أوقاتها خلال هذه الأيام العشر.

2- صلاة النوافل والسنن

الفروض وكفى، هذا شعار كثير منّا للأسف. الاكتفاء بالحد الأدنى من الطاعة مع رب كريم يغدق علينا بكل جميل ويتعامل معنا بالرحمة والعطاء ثم نتعامل معه بالبخل والجحود وعدم إظهار الامتنان والشكر له وهو الشيء الذي نخجل من فعله مع مخلوق عادي مثلنا قدّم إلينا مساعدة مثلاً ولله المثل الأعلى.

ثم أن صلاتها أصلاً فيها مكسب كبير لك، ألم تكن تعلم أنها تبني لك بيتاً في الجنة؟

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ صَلَّى فِي يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً بُنِيَ لَهُ بَيْتٌ فِي الجَنَّةِ: أَرْبَعًا قَبْلَ الظُّهْرِ، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَهَا، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ المَغْرِبِ، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ العِشَاءِ، وَرَكْعَتَيْنِ قَبْلَ صَلَاةِ الْفَجْرِ صَلَاةِ الْغَدَاةِ»

الكثير منا يعلم بالطبع لكن القليل منا يتخيل هذا الكلام فعلاً ويحسه ويؤمن به. يؤمن أنه يوم القيامة سيكون بحوزته بيوت بقدر ما صلّى هذه النوافل. مشكلتنا الأساسية وبالتحديد في أعمال الطاعة والعبادة هي أننا ألِفنا الكلام وحفظناه دون أن نتوقف قليلاً لنفهمه ونتفكّر فيه. اعتبرناه كلام مجازي بل والبعض منا في قرارة نفسه والعياذ بالله قد يسخر منه ويعتبره مجرد خيال أو كلام تحفيزي لأداء الطاعات. عليك أن تؤمن أن هذا حق وسيحدث بلا شك كما إيمانك بالآخرة والحساب.

3- صلاة الضحى

عَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: (يُصْبِحُ عَلَى كُلِّ سُلَامَى مِنْ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ، فَكُلُّ تَسْبِيحَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَحْمِيدَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَهْلِيلَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَكْبِيرَةٍ صَدَقَةٌ وَأَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ صَدَقَةٌ، وَنَهْيٌ عَنْ الْمُنْكَرِ صَدَقَةٌ، وَيُجْزِئُ مِنْ ذَلِكَ رَكْعَتَانِ يَرْكَعُهُمَا مِنْ الضُّحَى).

أدعوك أيضاً للتخيّل والتفكّر بدلاً من حفظ الحديث وترديده دون فهم معناه، تخيّل أنك تريد أن تتصدق لكن ليس لديك مال أو لديك لكن لم تجد أحداً قريباً منك تتصدق عليه، يحتاج الأمر منك الخروج من المنزل والذهاب للشارع العمومي مثلاً حيث تجد الكثير ممن يطلبون الصدقات، غير متاح لك كل هذا في الوقت الحالي. ركعتين في صلاة الضحى تجزيء عن كل ذلك!

4- صلاة التراويح

وأقصد بصلاتها مع الإمام حتى ينصرف، البعض يصلي ركعتين أو أربع ثم ينصرف.

قال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ قَامَ مَعَ الْإِمَامِ حَتَّى يَنْصَرِفَ كُتِبَ لَهُ قِيَامُ لَيْلَةٍ).

تخيّل.. كأنك ظللت تصلي طيلة الليل وأنت أصلاً في ذلك الوقت نائم أو تباشر عملك، لكنك تتعامل مع رب كريم جوّاد. فلا تحرم نفسك من هذا الفضل والثواب.

5- قراءة القرآن

الله أنزل علينا كلامه لنتدبره لا أن نتسابق فيه ونتبارى بمن يختمه أسرع. خلال السنين الماضية، كنتُ أختم القرآن في كل رمضان على الأقل ثلاث مرات فما فوق بل إنني أذكر في شهر رمضان الذي تلى إتمامي لحفظ القرآن الكريم ختمتُ فيه 10 ختمات! ماذا استفدت من كل ذلك؟ حرفياً لا شيء.

مؤخراً أدركتُ أهمية تدبر القرآن وقراءته بفهم، أن تقرأ آية تستوقفك فتقف وتغلق المصحف وتجلس تتفكر في هذه الآية دون التفكير في أنك بذلك ستتأخر عن ختم القرآن أو فلان سيسبقك.

ومما أعانني على إدراك ذلك كانت سلسلة على يوتيوب بعنوان (مفاتح التدبر) للدكتور فاضل سليمان مكوّنة من 15 حلقة ممتعة يشرح فيها بشكل جميل كيف تتدبر القرآن، وسلسلة أخرى من أجمل ما شاهدتُ في حياتي هي سلسلة (بالقرآن اهتديت) للشيخ فهد الكندري.

أنصحك أن تُسدي لنفسك معروفاً وأن تفعل فيها خيراً بمشاهدة هاتين السلسلتين.

6- الذكر

طريقة تعاملنا مع ذكر الله حقيقة تثير استغرابي بدرجة كبيرة، والسبب يعود أيضاً لما أوضحته قبل قليل من أننا لا نعمل عقلنا ولا نمتلك موهبة التخيّل وألِفنا سماع الأحاديث عن فضل الأذكار. يعني مثلاً:

(عن أبي ذر قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا أدلك على كنز من كنوز الجنة، قلت بلى يا رسول الله، قال لا حول ولا قوة إلا بالله)

كنز؟ فكّر في نفسك لو كنتَ تسير في طريق ما ووجدتَ جوهرة أو قطعة أثرية تحت قدميك، وجدتَ كنز سيحول حياتك إلى جنّة.. ماذا لو أنك وجدتَ بالفعل كنز من كنوز الجنّة نفسها؟

مثال آخر:

قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «من هاله الليل أن يكابده، أو بخل بالمال أن ينفقه، أو جبن عن العدو أن يقاتله، فليكثر من (سبحان الله وبحمده)؛ فإنها أحب إلى الله من جبل ذهب ينفقه في سبيل الله عز وجل»

هل تغرق في التفكير الزائد قبل نومك؟ هل تقلق في منامك بالليل؟ هل تشعر في نفسك بالبخل والتفكير قليلاً قبل إخراج صدقة؟ هل لديك أعداء تخاف من مواجهتهم؟ الرسول ينصحك في مثل هذه الحالات أن تردد جملة واحدة بسيطة جداً: سبحان الله وبحمده.

والأمثلة كثيرة ولكن المُراد وصل. طبّق هذا الكلام على كل حديث تقرأه وكل ذكر له فضل وحاول أن تتخيل هذا الفضل.

7- الدعاء

سلاح المؤمن، الدعاء يصنع المستحيل لكن لماذا لا يصنعه معنا؟ لأننا لا نحسن الظن بالله، ندعو بلا قلب وبلا يقين. والله لا يقبل بذلك. طيب بماذا أدعي؟ عليك بحفظ الأدعية الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم، هي كافية جداً. لن تجد أفضل منها فهو عليه الصلاة والسلام قد أوتي جوامع الكلم وإذا تدبرت في أدعيته حقاً ستكتشف ذلك. خذ مثلاً هذا الدعاء:

اللهم أصلح لي شأني كله ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين.

أصلح لي شأني كله؟ كافة أمور حياتك ومشاكلك التي تؤرقك من فقر وقهر وظلم… إلخ. اختصرها المصطفى في جملة قصيرة.

ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين؟ ما تحدثتا عنه في المقدمة من أن نفسك هي المشكلة وهي الشيطان الأكبر، بجملة بسيطة المصطفى يعلمك كيف تدعو الله أن يجنبك شرّها.

أدعية النبي سهلة وبسيطة وكافية وشافية عليك بها، ثم بعد ذلك ادع بما شئت وبأي طريقة شئت، قل ما بداخلك واعلم أن الله يعلم ماذا تريد وماذا تطلب فلا تقلق.

أتمنى من كل قلبي أن يستفيد أحد من هذا الكلام الذي أصررتُ على كتابته بعد أن كان مجرد سطوراً في مفكرتي أحدّث بها نفسي فعزمتُ على إعادة صياغتها ونشرها للإفادة.


اكتشاف المزيد من مدونة هشام فرج

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك رداً