مساء الخير..
تذكّر تذكّر.. الخامس من نوفمبر.
تذكرون تلك العبارة التي قيلت في فيلم V for Vendetta. يبدو أن الحياة صاغت لي عبارة شبيهة لكن بموعد مختلف: الثالث عشر من ديسمبر. لعلّ أحدكم قد صادف ذلك المقال الذي شاركت فيه جزءاً من تجربتي مع المرض.
لكن باختصار.. في الثالث عشر من ديسمبر من العام 2018 (عصور ما قبل الكورونا) شُخّصتُ بمرض السُلّ وقضيت شهرين كاملين في المستشفى أتلقّى العلاج.
وكما يبدو أنك لاحظت بالنظر إلى تاريخ اليوم الثالث عشر من ديسمبر من عام 2021 (عصر الكورونا ذات نفسها) قد مرّ على هذه التجربة ثلاث سنوات كاملة وأن التجربة التي سخطتُ عليها في البداية أصبحت فيما بعد هي نقطة التحول التي غيّرت أمور وجوانب كثيرة في حياتي.
نأتي لقصة اليوم.. في التدوينة قبل السابقة أخبرتكم أنني أعاني من نزلة برد حادّة. صباح اليوم فور استيقاظي ورؤيتي لتاريخ اليوم ابتسمت ابتسامة خفيفة لمّا تذكّرت تلك الفترة من حياتي، نهضت من الفراش مُتعباً من نزلة البرد التي لم تنتهي بعد. أحسستُ فجأة بأن أنفي غير موجود على خريطة وجهي! لم أكن لأتعجب في الواقع فلقد تحمّل الكثير بسبب الزكام العنيف خلال اليومين الماضيين. لكن..
تكوّن لديّ هاجس طفيف أخذ في الازدياد تدريجياً خاصة بعدما رأيتُ قُبالتي زجاجة عطر. 😅
- نفسي الفضولية (بصوت قلق): صباح الخير هشام.. ماذا لو كانت نزلة البرد هذه ليست نزلة برد وإنما كورونا متخفّية؟
- نفسي الغلبانة اللي على الله حكايتها: صباح الخير يا فضولية، وجهك الوجه لا يأتي بخير.
- ماذا ستخسر يا جبان؟ زجاجة العطر في مرمى عينيك، يقولون أن من أعراض الإصابة بكورونا فقدان حاستي الشمّ والتذوق. جرّب!
- أنا مادّاً يدي نحو زجاجة العطر: لا حول ولا قوة إلا بالله، لنرى.
الصدمة!!!
لا أشمّ شيئاً من الرائحة. لا شيء على الإطلاق! بدأ الخوف يدبّ في قلبي، ربما نفسي الفضولية كانت على حق حينما أمرتني بالتحقق من الأمر.
هرعتُ أتجه نحو كل جماد له رائحة أتشممه بلهفة كذاك البطل المجنون في رواية العطر. تمّ بنجاح: حاسة الشمّ مفقودة.
أعددتُ كوباً من الينسون المعتاد كل صباح.. تمّ بنجاح: حاسة التذوق مفقودة.
لك أن تتخيل عزيزي القارئ، مع:
- سعال جاف متواصل
- حمّى وسخونة
- احتقان في الحلق
- فقدان حاستي الشم والتذوق
لا يحتاج الأمر لدراسة 7 سنين في كلية الطب للتأكد أنني استقبلتُ ذلك الزائر ثقيل الظل المدعو كورونا.
طيب.. لنهدأ ونعيد ترتيب أوراقنا ونفكّر في الخطوات القادمة. سأتعامل من اللحظة على أنها كورونا إلى أن يثبت العكس. ما الخطوات المتبعة في هذه الحالة؟ بكل جديّة وصرامة دلفتُ إلى موقع منظمة الصحة العالمية (WHO) رغم أنني أعرف ما يتوجب عليّ فعله إلا أنني أردت اتباع التعليمات الأساسية. تخبرني المنظمة أن أتصل بمقدم الخدمة الطبية في منطقتي. حسناً، ذهبت إلى صفحة وزارة الصحة والسكان المصرية على الفيس بوك وسجّلت رقم الواتس أب الرسمي. راسلتهم كما في الصورة.

(صوت صرصور الحقل إلى الآن). لم أتلق منهم ولا حتى ردّ الصباح الذي أرسلته لهم. فشلت أول محاولة للاعتماد على الجهة المسؤولة عن تقديم الدعم والمساعدة في مثل هذه الحالات. الجيش بيقولك اتصرّف.
بعد بحث بسيط في صديقي العزيز جوجل علمتُ أن هناك عدة اختبارات قد تدل على الإصابة بكورونا وهي اختبارات المناعة بشكل عام إذ تُبيّن ما إذا كانت هناك عدوى أو التهابات تهاجم الجسم من خلال تحليل عينة الدم.
في حالة إن كنت تسأل لمَ لمْ تتجه لأخذ المسحة التي تثبت الإصابة من عدمها، أخبرك أنها لا تتوفر في منطقتي وفي حال أردت الحصول عليها سيتوجب عليّ الانتقال لمركز المحافظة وهو مشوار طويل ناهيك عن انتظار دوري والاختلاط ببقعة أكبر من البشر وبالتالي زيادة درجة الخطر عليّ وعليهم.
لذا فضّلتُ الحل المتاح في تلك اللحظة وذهبت لإجراء التحاليل المختبرية وظهرت النتيجة بعد ساعة ونصف. نعم يبدو أن هناك عدوى ما تهاجم الجسم قد تكون كورونا وقد تكون عدوى أخرى.
إذا سألتني فأنا في داخلي -خاصة بعدما بحثت في جوجل عن تلك النسب التي كانت غير طبيعية- أعتقد أنها كورونا بشكل رسمي وسأتعامل معها على أنها كذلك. حجزتُ كشفاً عند الطبيب وذهبت وقصصت عليه ما حدث لكني فوجئت بنبرة تطمين زائدة عن الحد. أخبرني ألا أقلق على الإطلاق، مجرد دور برد عادي وسينتهي، ليست كورونا ولا حتى اشتباه.
لم أرد أن أجادل معه بخصوص النسب التي لم تكن طبيعية وتدل على وجود عدوى ولم أحاول إبلاغه أنني قرأت كذا وكذا ولديّ بعض التوجس (ليس على نفسي في المقام الأول بل على أسرتي وبالأخص والدتي) لذا التزمت الصمت والظهور بمظهر المريض العادي إذ خشيت أن يأخذ الموضوع بحساسية من قبيل (تعالى اكشف مكاني بقى).
والحقيقة أعتقد أن فئة كبيرة من الأطباء على الأقل الذين ذهبت إليهم أجد عندهم نوعاً من تلك الحساسية، هم لا يريدون التعامل مع مريض قارئ ولديه خلفية عن الأعراض والحالة ويمكنهم الدخول في نقاش معه. هو يريد مريضاً ينفّذ ما يقول وألا يحاول التقليل من تلك السنوات الطويلة من عمره التي قضاها في الطب لكي يجلس في مثل هذا المكان.
نعود لحديثنا.. اختتم كلامه بأن أخبرني: طالما أن ليس هناك ضيق تنفس حتى الآن فلا داعي للقلق. وصف لي بعض الأدوية وانتهى لقاءنا.
أنا اعتدتُ في حياتي على أن اكون فضولياً وشكّاكاً بالمعنى الإيجابي للكلمتين. رأيتُ أن آخذ آراء أطباء آخرين وأقيّم الموقف حسب المعطيات وألا أثق في رأي واحد والاعتماد عليه كلياً.
أرسلت التقارير لطبيب من أقربائي ولآخرين من أصدقائي، أخبروني أنها قد تكون اشتباه كورونا أو كورونا لكن في أولى مراحلها. وعن عَرَض ضيق التنفس علمتُ أن هذا العَرَض بالتحديد يأخذ بعض الوقت لكي يظهر.. ربما في اليوم السابع أو الثامن، أنا الآن في اليوم الخامس تقريباً. لكن الجميع أجمع على ضرورة توخّي الحذر كما قررتُ من البداية وأن أتعامل مع الأمر كأنه كورونا وبالتالي تطبيق قواعد العزل الصحي واتباع التعليمات بشأن مصابي كورونا.
الآن وأنا أكتب لك هذه التدوينة عزيزي القارئ.. أفكّر في تلك المصادفة اللطيفة ربما، بينما أستيقظ من نومي أحاول الاحتفال بذكرى مرور ثلاث سنوات على تجربة شكّلت جزءاً كبيراً من حياتي، يفاجئني القدر في نفس اليوم بتجربة أخرى صحيح أنها لم تتأكّد بعد، إلا أن هذا اليوم، الثالث عشر من ديسمبر أصبح رمزاً مهماً في حياتي ومرتبطاً بعدة أحداث متلاحقة وبالتأكيد، في مثل هذا اليوم من كل عام سأستيقظ وأنا على استعداد لشيء غير متوقع على وشك الحدوث. ليس بالضرورة شيئاً خطيراً أو سلبياً، قد يكون شيئاً مُبهجاً. لمَ لا؟!
ربما مرّ أحدكم بقصة مشابهة، أن يجد يوماً في حياته تتصادف فيه بعض الأحداث بطريقة مثيرة للدهشة.. شاركوني بقصتكم إن وجدت.
كانت هذه تدوينة اليوم السابع والعشرون (عذراً على الإطالة) ضمن تحدي رديف الذي قد لا أٍستطيع مواصلته للنهاية للأسف. آمل ألا يحدث ذلك.
اكتشاف المزيد من مدونة هشام فرج
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
ألف سلامة عليك وبإذن الله تستطيع مواصلة التحدي #إنت_قدها 💪